مقدمة:
ما دفعني لكتابة هذه الكلمات ، هو نظرة الأخر الى المسلمين بشكل عام ، وخاصة بعد اعمال العنف التي شهدها العالم والتي قامت بها منظمات ارهابية اسلامية ، وما جرى ويجري على الأخرين من ابناء الامة من قتل وتدمير عشوائي سقط فيهما الابرياء من الاطفال والنساء والشيوخ والشباب وما زالوا يسقطون . ومرجعية كل ذلك هو الفهم الخاطئ والمغلوط الذي ابتلينا فيه من خلال المورث الديني ، الذي ابتعد عن جوهر الدين المرسل والمنزل مe;ن الله عز وجل على عالم الذر والانفس. ومع وضوح مقاصد الدين في الحب والرحمة قام بعض الاوصياء على الدين ممن عميت قلوبهم من علماء الامة بتفاسير شيطانية لآيات قرانية ، وذلك ليعطوا الغطاء الايدولوجي لنظرية العنف التي ابتدعوها. إن ماجرى منذ الحادي عشر من سبتمبر ،وما قبل ذلك ، وأيضا ما يجري على المسلمين في بلاد الاسلام حاليا من قبل منظمات القتل والارهاب الاسلامية ، دفعني لإعادة النظر في حقيقة الموروث الاسلامي من خلال مصادره المتنوعة ، وسألت نفسي سؤالاً .... هل صحيح أن تعاليم الدين في جوهرها تدعوا الى الحب والرحمة أم الى العنف والقتل؟.
تأملات قرآنية:
الله عز وجل خلق الانسان وفطره على التسليم والايمان بوحدانية الخالق .بقوله عز وجل ( وإذ أخذ ربك من بني أدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم علىأنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إننا كنا هذا غافلين أو تقولوا أشرك اباؤنا من قبل وكنا ذرية بعدهم اتهلكنا بما فعل المبطلون). ألست بربكم ، سؤالاً للذات الانسانية ، سؤال تقريري . أهو ربنا .... نعم كل الدلائل تدل عليه ، ونحن ايضا من صنعه ،وهذا من رحمة الله وعنايته منذ خلق أدم ومن ثم الى هبوطه وتناسل بني البشر من ابونا أدم وأمنا حواء ، برمج فينا هذه الفطرة الايمانية ،وجعلها بوصلة لنا ترافقنا خلال حياتنا الاولىعلى هذه الارض. ورغم ذلك لم يترك الخالق هذا المخلوق علىالفطرة بل أرسل له ايضاً الرسل والانبياء والنذر ،( قلنا أهبطو منها جميعأ فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) بقرة 38 . وتتابع إرسال الرسل بقوله عز وجل ( ورسلاً قد قصننا عليك من قبل ورسلاً لن نققصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما). وهذا يعني أنه لا توجد امة عاشت على هذه الارض إلا وجاءها رسول أو نذير بشر بدين الاسلام "عقيدته التوحيد" حتى ختم النبوات والرسالات برسالة نبي الرحمة فاكتمل به دين الحب والرحمة . لماذا كل هذه العناية الآلهية بخليفته على الارض. وهل يحتاج فعلا الى كل هذه العناية؟ نعم فقد قال المولى عز وجل في القرآن الكريم ( قل لو كان في الارض ملائكة ( هؤلاء يسبحون الله باستمرار ويقدسون) يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولا). هل يعقل حتى للملائكة الذين يسبحون الله ويقدسونه ليل نهار إذا هبطوا الى الأرض ، لابد من أن يرسل الله رسولا لهم لهدايتهم وتعليمهم دين الحب والرحمة .... نعم لأنهم على هذه الارض سيضلون ، سيحدث لهم نوع من التوتر ، مع العلم انهم مخلوقات من طبيعة واحدة ،فكيف المخلوقات من طبيعتين مادة وروح، أنه يعيش التوتر الدائم والجدلية بشكل مستمر وحتى يموت، رغم ما فيه من النفخة الآلهية العلوية ، اما الايمان عند خليفة الله على الارض وما يرافقه من طقوس العبادة تاتي في عالم الذر والسنن من الفطرة و المعرفة المتولدة من التجربة والمعاناة في هذه الحياة . والتجارب أحيانا تكون قاسية .... لهذا فقد كُتب على الانسان أن لا يفوز إلا بما يعاني(لقد خلقنا الانسان في كبد) ، ومن المعاناة يحصل على المكاسب ويثري تجربته الانسانية وتتحقق انسانيته، وبواسطة الايمان المبني على الحب والرحمة وعدم الاكراه يستطيع المؤمن أن يقوم بنشر دين الله الواحد على الأرض ألا وهو دين الاسلام .اما الاكراه والعنف والقتل فهي لاتنشر ديناً وهي من اعمال وفكر الشيطان .
الى اهل القرآن:
.وهنا أحب أن اعرج لأقول لأخواني اهل القرآن ، أن بعد هذه المعاناة التي نمر بها من الاتهامات المغرضة من قبل الذين اشركوا ،والسجن ، هي في المحصلة معاناة أيجابية ،وسنخرج منها باستمرار أقوى من الاول واشد ايمانا لأن التجارب والمعاناة في سبيل الفكر القرآني هو جهاد في سبيل الله ، وبالصبر والمصابرة وحب هؤلاء الذين يعملون علىإقصائنا وتسليط السلطات الامنية علينا بحجة ازدراء الدين . لأن حبنا لهم نابع من قوة عقيدتنا وإيماننا بالله تعالى و رسله وكتبه أجمعين ،لهذا وجب علينا أن نجادلهم بالتي هي أحسن ،وبهذه الروح الجهادية ، لابد أن يحدث التغير. ويعود الناس الى كتاب الله وهذا هو هدف أهل القرآن الوحيد.....
. عودة الى العنوان الرئيس
قال لي صديق مقرب وصاحب دين ، أنا استغرب من قول المسيح عليه السلام ( من لطمك على خدك الايمن فحول له الآخر،ومن اراد يخاصمك ويأخذ ثوبك فخل له رداءك ايضاً،ومن سخرك ميلاً فامش معه أثنين، ومن سألك فأعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا تمنعه ،"احبوا أعدائكم واحسنوا الى من يبغضكم وصلوا لأجل من يعنتكم ويضهدكم"). هذا يعني الاستسلام والخنوع، فكيف نحب أعدائنا هل هذا منطق معقول؟
- قلت له ياعزيزي المسيح عليه السلام جاء بدين الاسلام ، وكوني من اتباع الرسالة التي نزلت علىالنبي محمد (ص) فحتى يكتمل إيماني ،لابد لي من الايمان بكل الرسل والانبياء وبالكتب التي أنزلت عليهم ، وكون العقيدة واحدة وإن اختلف الشرع والمنهج.. هذا يعني أن القيم الاخلاقية المبنية على وحدة العقيدة هي ثابته. وقولك فيما قاله عليه السلام أنه خنوع. هو عدم فهم القصد من قوله ، إن المسيح عليه السلام كان يقصد وهو" الذي تكلم كلام الله مباشرة "،نفي الخصومة والضرب والظلم.... و حث تلاميذه على ابتغاء الِبرِِِّ وسلامة القلب مهما تعرضوا للملام والاضطهاد ، وأحب أن يعلمهم بعدم الوقوف عند حدود الشرع....والاهم من ذلك ترقية النفس الانسانية لتصل الى أصعب مراحل الرقي في أن تحب أعداءها... والهدف من ذلك هو أنه بالحب يمكن أن نغير حتى اعدائنا.
- وقلت له متابعاً... وهل تعتقد أن القرآن في ايات الرحمة والحب تختلف عما قاله المسيح عليه السلام اسمع ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ،ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) وقال ( إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا فإن الله كان عفوا قديرا).أنت ترى ياعزيزي أن الدعوة للحب والرحمة وأحدة في الديانتين، لأنهما من مصدر وأحد ،...سألني وما تفسيرك لما يجري من مصائب وقتل حتى لابناء الملة الواحدة تحت شعار الله وأكبر.....ياعزيزي
- إن الذين يقومون بأعمال العنف والقتل من المسلمين تحت أي شعار ،هم في الحقيقة مصابون بأمراض نفسية ، عززتها فتاوي شيوخ الوهابية و فتاوىغيرهم ،ممن يسمون أنفسهم بالمعتدلين ، هؤلاء هم الذين قست قلوبهم وفقدت الحب والرحمة ، وأولت كتاب الله وأياته بما يحقق مصالحهم السياسية والانانية الضيقة . تصور ياصديقي كيف وصل الحب ووصلت الرحمة عند المسيح ومحمد عليهم السلام لدرجة حب الاعداء. اليس هذا هو الرد على كل من حرض على القتل و على كل من نفذ أ عمال القتل ،"أن الدين منهم براء" .وقال لي صديقي :ولكن هناك الكثير من الآيات تحض المسلمين على القتال ...مارايك بالله عليك؟ نعم اوافقك مئة بالمئة ،الله امرنا كما أمر من قبلنا بالقتال في سبيله لرفع الظلم ،ولم يأمرنا بالقتل العشوائي ، ومع كل أية للقتال ،تجد دعوة للسلم، ومع كل دعوة للقتال تجد دعوة في أن لا نكون البادئين بالقتال.وآيات القتال جاءت في ظروف خاصة ذلك بعد إنشاء الكيان السياسي للدولة في المدينة ،وبعد إخراج المسلمين من ديارهم ، وذلك للدفاع عن هذه الدولة بصد العدوان أو القيام بهجمات استباقية وذلك بعد ان تبين للمسلمين ، مكر اعداء الدين وما يبيتون لهم.اما ما حصل بعد هذه الفترة من تجاوزات فهي بفعل بشري ، وتأويلات بشرية بعيدة عن مقاصد الدين، وهذه أبتلت فيها كل الديانات السابقة.
- وأعطيك برهاناً أخر قول المسيح عليه السلام ( سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن أما أنا فأقول لكم لا تقاموا الشر.... سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك ،وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعدائكم وباركوا لاعنيكم وأحسنوا الىمبغضيكم... لكي تكونوا أبناء ابيكم الذي في السموات فإنه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين، إن احببتم الذين يحبوكم فأي أجر لكم اليس العشارون أيضا يفعلون ذلك)
- وها هو القرآن يقول عن اصحاب محمد ليس أمرا أن يحبوا اعدائهم بل يخبر عنهم أنهم بقوة الايمان يحبون أعدائهم فعلا ( ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم ،وتؤمنون بالكتاب كله).ما اروع هذا القول من الله عز وجل "وتؤمنون بالكتاب كله" هو الرد على الذين يجتزؤون مقاطع من الايات ،ويخرجونها من سياقها ويعتبرونها كدليل على أعمالهم الارهابية بأنها دعوة من الله. فالمؤمن لا يفعل ذلك وعليه أن يؤمن بكل الكتاب الذي في مجمله يحض على الحب والرحمة حتى للاعداء.
- ياصديقي هذا هو الدين الحق.... هذا هو الاسلام ....المريض فكرياً هو مريض بالجهل والكراهية حتى على ابناء أمته... علينا ان نتعلم أن المعرفة حب ,وان الحب معرفة.... علينا أن نقاوم سياسة العنف الوهابية وغيرها ، وعلينا أن نعلم الاجيال صناعة الحب والرحمة . الايمان بالله والكتب والرسل.... هو إيمان بالحب والرحمة و مقدرة على تحويل الكراهية إلى حب... وهذا هو الاستثمار والربح الكبير وأعيد عليك من جديد قول الخالق الحق (ولا تستوي الحسنة ولاالسيئة أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) صدق الله العظيم.
- فهل دين الله هو دين الارهاب والعنف والقتل
وفي الختام لا تنسونا من دعائكم